المحاميان نسرين دار عمر و طارق استيتية
بتاريخ 30/12/2021 صدر عن ديوان الفتوى والتشريع عدد ممتاز من جريدة الوقائع الفلسطينية تتضمن نشر القرار بقانون رقم (42) لسنة 2021 بشأن الشركات، والذي ألغي بموجبه قانون الشركات الأردني رقم (12) لسنة 1964 وكافة تعديلاته والأنظمة الصادرة بمقتضاه. جاء هذا القرار بقانون ليواكب التطورات الاقتصادية والتجارية التي يشهدها الاقتصاد الفلسطيني وليشكل أحد اللبنات الأساسية للتوسع الاقتصادي وليخلق بيئة استثمارية تشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
استحدث قانون الشركات الجديد أشكال قانونية جديدة من الشركات بالإضافة إلى تلك الموجودة، فأصبحت تتخذ الشركات التي تؤسس بمقتضى أحكام القانون أحد الأشكال التالية: الشركة العادية العامة (ش.ع.ع)، الشركة العادية المحدودة (ش.ع.م)، الشركة ذات المسؤولية المحدودة (ش.ذ.م.م)، الشركة المساهمة الخصوصية (ش.م.خ)، والشركة المساهمة العامة(ش.م.ع).
هذا وقد أتى القرار بقانون بالإضافة إلى ما ورد أعلاه بأنواع خاصة من الشركات وهيالشركات المهنية بأشكالها سواء تلك العادية العامة أو ذات المسؤولية المحدودة، الشركات غير الربحية، الحكومية، وشركات الهيئات المحلية. كما وقام بتنظيم فروع الشركات الأجنبية ومكاتب التمثيل التي يتمحور نشاطها حول القيام بنشاطات تسويقية وأعمال أخرى ذات صلة بهذه الغاية بما لا يشمل المعاملات التجارية.
من الجدير بالذكر أيضاً أن القرار بقانون أتاح إمكانية تأسيس شركة الشخص الواحد، إلا أنه أبقى على أنواع معينة من الشركات يتطلب فيها وجود شريكين على الأقل وهي الشركة العادية العامة والشركة العادية المحدودة والشركة المساهمة العامة. كما ويلاحظ أن القرار بقانون لم يتطلب حد أدنى لرأس مال الشركات بأنواعها.
بالإضافة إلى ذلك فقد أتى القرار بقانون بالعديد من الأحكام الجديدة التي يتطلب معها تصويب الأوضاع القانونية للشركات وإجراء التعديلات اللازمة على عقود تأسيسها وأنظمتها. وبذلك، فإننا وفي هذه المقالة سنقوم بتسليط الضوء على أهم الأحكام القانونية ذات العلاقة.
سجل الشركات والتبليغ الالكتروني:
نص القرار بقانون على إنشاء سجل الشركات الالكتروني يتضمن كافة بيانات الشركات المسجلة، مع إتاحة بعض البيانات والوثائق للجمهور والتي من ضمنها أسماء المفوضين بالتوقيع والحجوزات والرهونات الواقعة على حصص الشركة وأسهمها، أسماء المدراء وأعضاء مجلس الإدارة، البينات المالية للشركة، وأية قرارات محاكم تتعلق بالوضع القانوني للشركة.
ومن منطلق مجاراة الثورة الالكترونية، فقد أتاح القرار بقانون إمكانية التوقيع الكترونياً على مستندات تأسيس الشركة وكل تعديل يطرأ عليها من قبل المؤسسين والمساهمين أو الشركاء أو الأعضاء في الشركة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القانون قد منح البيانات الواردة في هذا السجل الحجية القانونية للمستندات الخطية الأصلية ذاتها بما في ذلك حجيتها في الإثبات. كما وأتاح القرار بقانون إمكانية إجراء تبليغ أي كتاب أو قرار أو إخطار صادر عن سجل الشركات إلى الشركاء، الأعضاء، المساهمين، الغير عن طريق البريد الالكتروني المثبت في سجل الشركات بحيث يكون تبليغاً قانونياً وله حجيته في الإثبات.
الشركة ذات المسؤولية المحدودة:
تعد الشركة ذات المسؤولية المحدودة من الأشكال القانونية الجديدة للشركات في فلسطين، والتي يمكن تأسيسها من قبل شخص واحد أو أكثر (يسميهم القانون ب "الأعضاء")، ويمكن أن يكون العضو فيها شخصاً طبيعياً أو معنوياً يتملك حصصاً بمقابل نقدي أو عيني أو حتى بدون مقابل. كما ويتم تنظيم العلاقة بين الأعضاء أنفسهم وعلاقتهم في الشركة بموجب اتفاقية الإدارة المستحدثة بموجب هذا القرار بقانون حيث تشكل الوثيقة الأساسية المنطمة للشركة.
ما لم يتم إساءة استخدام المسؤولية المحدودة من قبل الأعضاء، تكون مسؤولية الأعضاء الشخصية في هذه الشركة محدودة بمقدار الحصص غير المسددة فيها، هذا الى جانب مسؤوليتهم بحدود حصصهم في رأس مال الشركة. كما ويتحمل المفوض بالتوقيع مسؤولية تعويض الشركة وكل عضو فيها والغير حسن النية عن جميع الخسائر والأضرار الناجمة عن إخلاله بأحكام القانون أو المستندات التأسيسية، وتسقط دعوى المسؤولية في هذه الحالة بالتقادم بمرور خمس سنوات من تاريخ وقوعها.
اساءة استخدام المسؤولية المحدودة:
خروجاً عن مبدأ المسؤولية المحدودة في شركات الأموال، فقد حمل القرار بقانون الشريك أو العضو أو المساهم مسؤولية الوفاء بالتزامات الشركة إذ قاموا بإساءة استخدام هذا المبدأ، والذي يفترض تحققه في حال قيام الشريك أو العضو أو المساهم باستغلال الشخصية القانونية للشركة كواجهة للاحتيال أو كأداة للتهرب من التزام قائم أومسؤولية قانونية أو بالتصرف بأموال الشركة من أجل منفعة شخصه أو منفعة أطراف أخرى أو على نحو يضر بدائني الشركة. في ذات الوقت، قيد القانون اتخاذ الاجراءات القانونية المذكورة ضد الشريك أو العضو أو المساهم محدودي المسؤولية بمدة ستة أشهر من تاريخ العلم بالإساءة بحيث يتقادم هذا الحق بمرور خمس سنوات من تاريخ وقوعها.
امكانية انسحاب الشريك، اخراج، أو تنازل الشريك:
بينما لم يضع قانون الشركات الملغى تنظيماً قانونياً لانسحاب الشركاء، حيث لم يكن أمام الشريك في حال رغبته بالانسحاب إلا التنازل عن أسهمه لشريك أو لشخص آخر، فقد نظّم القرار بقانون إمكانية انسحاب الشريك وفق آلية معينة تبعاً لنوع الشركة. فعلى سبيل المثال فقد أعطى القرار بقانون الشريك في الشركة العادية العامة أو العضو في الشركة ذات المسؤولية المحدودة إمكانية الانسحاب بإرادته المنفردة شريطة أن يقوم بتبليغ بقية الشركاء وسجل الشركات خطياً فقط دون الحاجة لموافقة أي شريك آخر. إلا أنه يتوجب الإشارة إلى بقاء مسؤولية الشريك المنسحب تبعاً لنوع الشركة، ففي الشركة العادية العامة يبقى الشريك مسؤولاً بالتضامن والتكافل عن ديون الشركة والتزاماتها التي ترتبت قبل انسحابه ويعتبر ضامناً لها بأمواله الشخصية مع باقي الشركاء لمدة لا تزيد عن خمس سنوات من تاريخ انسحابه. أما في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، فيتم توزيع حصص العضو المنسحب بين الأعضاء الباقين كل حسب حصته في الشركة ويفقد العضو المنسحب بعد ذلك الحق في تقاضي أرباح من الشركة، كما لا يتحمل خسائرها إلا بمقدار حصته غير المسددة.
أنواع الاسهم وفئاتها:
مما يميز القرار بقانون هو إدراج نوع جديد من الأسهم، ألا وهي الأسهم الممتازة والتي تعطي صاحبها الحق في الحصول على عائد سنوي ثابت أو تراكمي أو نسبة أعلى من الأرباح التي توزع على المساهمين أو من إجمالي صافي الموجودات، كما ويتمتع صاحبها بحقوق أفضلية على حاملي الاسهم العادية أثناء التصفية. إلا أن أصحاب هذه الأسهم لا يتمتعون بحق التصويت في اجتماعات الهيئة العامة باستثناء اجتماعات الهيئات العامة غير العادية التي تعقد لاقرار الامور المتعلقة بالأسهم الممتازة ذاتها كزيادة أو تخفيض عدد الأسهم الممتازة، أو تقسيم أو توحيد هذا النوع من الأسهم. في ذات الوقت، وضع القرار بقانون مجموعة من الأحكام الخاصة بهذا النوع من الأسهم، بما في ذلك عدم جواز أن تقل القيمة الاسمية للألسهم الممتازة عن القيمة الاسمية للأسهم العادية، وعدم جواز أن تزيد القيمة الاسمية للاسهم الممتازة المصرح بها والمصدرة عن خمسين بالمائة من رأس مال الشركة.
يعتبر هذا النوع من الأسهم من الأدوات المالية التي تهدف إلى زيادة الموارد المالية للشركة من خلال إعطاء ميزات إضافية لحامل هذا النوع من الأسهم، بما فيها تمتعهم بحقوق أولوية لشراء أي أسهم ممتازة أخرى.
تقسيم الاسهم وتوحيدها، وكسورها:
استحدث القرار بقانون أحكاماً تنظم إمكانية تقسيم كل سهم من الاسهم من فئة معينة إلى سهمين أو أكثر، مع تخفيض القيمة الاسمية للسهم دون أن يطرأ تغيير على رأس مال الشركة، كما وقام بتنظيم إمكانيةتوحيد سهمين أو أكثر من الاسهم من ذات الفئة إلى سهم واحد، مع زيادة القيمة الاسمية للسهم دون أن يطرأ تغيير على رأس مال الشركة.
كما عالج القرار بقانون كسور الأسهم التي تنجم عن عملية توحيد الأسهم أو تقسيمها ، حيث أتى ضمن نصوصه بأحكام تنظّم عمليةشراء كسور السهم التي حصرها بالمساهم، كما وألزم ذات القرار بقانون الشركة بشراء الكسور المتبقية من أسهم المساهمين في حال طلبهم ذلك. كما وأعطى لحاملي السندات والأدوات المالية الحق في المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة لعملية توحيد أو تقسيم اسهم الشركة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أعفى القرار بقانون الشركة من اتباع اجراءات زيادة أو تخفيض رأس المال في حال نجمت تلك الزيادة أو التخفيض في رأس المال نتيجة لكسور الاسهم شريطة ألا يتجاوز 1% من رأس مال الشركة.
الاندماج (بطريق الضم وبطريق المزج) والانقسام:
وضع القرار بقانون أحكاماً تفصيلية تنظم اندماج الشركات سواءً كان ذلك بالضم، بحيث تندمج الشركة (الشركة المندمجة) مع شركة أخرى (الشركة الدامجة) فتنقضي الشخصية القانونية للشركة المندمجة بحكم القانون دون تصفيتها وتنتقل جميع حقوق وموجودات والتزامات الشركة المندمجة إلى الشركة الدامجة. إضافة إلى ذلك فقد نظم عملية الاندماج بطريق المزج بحيث تندمج شركتان أو أكثر (الشركات المندمجة) دون تصفيتها، لينجم عنها شركة جديدة تنتقل اليها كافة حقوق والتزامات الشركات المندمجة. كما ومن الجدير ذكره بأن القرار بقانون قد أعفى الشركات المندمجة والدامجة وتلك الناجمة عن الاندماج من رسوم نقل الملكية التي تترتب على الاندماج أو الانقسام. علماً أن الاندماج يقتصر فقط على الشركات المساهمة، وذات المسؤولية المحدودة.
علاوةً على ذلك، فقد نظم القرار بقانون أحكام انقسام الشركة وهي عملية يتم بمقتضاها تحويل أصول الشركة والذمة المالية الخاصة بها إلى شركتين أو أكثر، سواء قائمة أو تؤسس لهذه الغاية، دون الحاجة لتصفية الشركة المنقسمة مقابل إصدار أسهم أو حصص بعضوية هذه الشركات لصالح مساهمي أو أعضاء الشركة المنقسمة وبالإضافة إلى دفعات نقدية.
تخصيص أسهم كحوافز للعاملين في الشركة:
أتاح القرار بقانون إمكانية توزيع الشركة لأسهم على موظفيها كحوافز بدون مقابل، إذ يمكن للشركة التصرّف بأسهمها التي اشترتها لنفسها بتوزيعها على موظفيها خلال اثني عشر شهرا من تاريخ تملكها، وفي هذه الحالة يجب على الشركة الافصاح، من ضمن أمور أخرى، عن الشروط التي تحكم سياسة المكافآت. ولهذه الغاية، فقد منح القرار بقانون الشركة الحق في أن تصدر أسهم عادية تتمتع بكافة الحقوق باستثناء الحق في التصويت، الأمر الذي يشجع الشركات على مكافأة موظفيها والعاملين فيها دون أن يكون لهذه المكافأة أي تبعات من شأنها إعاقة أو عرقلة اتخاذ قرارات في الهيئات العامة ناتجة عن اعتراض هؤلاء الموظفين أو العاملين.
الشركات الأجنبية:
بالإضافة إلى إمكانية قيام الشركة الأجنبية بتسجيل فرع لها فقد منحها القانون الحق بتأسيس شركة عادية أو شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة مساهمة محلية تحمل الجنسية الفلسطينية، وبذلك فإن القيد المعمول به بتاريخ سابق على تاريخ إقرار هذا القرار بقانون والذي يفرض عدم تمليك الأجنبي لما يزيد عن 49% من رأس مال الشركة يكون قد زال. بالإضافة إلى ذلك فقد أتاح القرار بقانون للشركة الأجنبية ايجادمكتبتمثيلي كما تمت الإشارة إليه سابقاً في هذا المقال.
على الرغم من أهمية الأحكام المستحدثة في القرار بقانون موضوع هذه الورقة والجوانب الإيجابية التي أتى بها والتي من شأنها تعزيز ركائز مقوموات الاقتصاد الوطني الفلسطيني، إلا أن الصياغة المستخدمة لهذاالقانونومفرداته واحكامه فضفاضةوواسعة وكأنها مترجمة، كما وأنها ليست ابنة بيئة الأعمال الاقتصادية في فلسطين.